عندما كانت الإبنة الكبرى لأماني المطري في روضة الأطفال في مدرسة إبتدائية في أوكلاند، أخبرت والدتها أنها تريد إرتداء الحجاب وهو الحجاب الذي ترتديه بعض النساء والفتيات المسلمات لتغطية رؤوسهن وشعرهن به، وعلى الرغم من أنها لم تكن مضطرة لإرتدائه في مثل تلك السن المبكرة إلا أنها وبمجرد أن أعربت عن اهتمامها به وجدت التشجيع من قبل والدتها وذلك حسب تأكيد أماني المطري التي قالت أنها شجعت إبنتها على إرتدائه حتى تعتاد على هذه الممارسة، ولكن وبعد فترة وجيزة من ارتدائها للحجاب، واجهت ابنتها وهي الآن طالبة في الصف السابع وابلاً من الأسئلة من زملائها وزميلاتها في الفصل.
قالت أماني المطري لصحيفة أوكلاند سايد في حوار تم بحضور مترجم: ” لقد كان الأطفال يجلسون خلفها ويطرحون عليها الكثير من الأسئلة، مثل، لماذا يجب أن ترتدي هذا؟ لماذا تضعي هذا على رأسك؟. وعندما يضايقها الأطفال أو يتنمرون عليها من أجل أي شيء فإنها تظل صامتة ولا تخبر أحداً أو تدافع عن نفسها.”
هذا وتأمل أماني المطري والتي أصلها من اليمن وهي دولة تقع في شبه الجزيرة العربية، أن يساعد القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الدائرة التعليمية لمدارس أوكلاند الموحدة بالموافقة على قرار لتقديم المزيد من الدعم للعائلات اليمنية وغيرها من العائلات الناطقة باللغة العربية إلى منع بعض المضايقات والمعاملة القاسية التي يتعرض لها أطفالها في المدرسة من قبل الطلاب الآخرين، بل حتى من قبل موظفي المدرسة.
ففي الشهر الماضي، صّوت مجلس إدارة المدرسة بالإجماع على إصدار التعليمات لمسؤولي الدائرة التعليمية بتوظيف المزيد من مترجمي اللغة العربية وخاصة أولئك الذين هم على دراية باللهجة اليمنية وعلى إجراء التدريبات التوعوية عن الثقافة اليمنية والعربية وعلى إقرار عطلات أعياد الفطر والأضحى المبارك في التقويم المدرسي.
نمت الجالية اليمنية في أوكلاند بوتيرة منتظمة على مدى العقد الماضي حيث إلتحق أطفال العديد من العائلات اليمنية بمدارس أوكلاند الموحدة. ومع ذلك يصعب تقدير عدد العائلات اليمنية التي تعيش في أوكلاند بشكل دقيق أو الذين إلتحقوا بمدارس أوكلاند الموحدة وذلك بسبب عدم دقة الأسئلة الديموغرافية المتعلقة بالتسجيل في المدارس وبإستمارات الاحصاء السكاني. وبسبب الطريقة التي تتبعها الوكالات الحكومية في تصنيف السلالة والعرق، غالباً ما يتم تصنيف اليمنيين الأمريكيين وغيرهم من مجموعات الشرق الأوسط على أنهم من البيض.
وقد حاول المسئولون في الدائرة التعليمية القيام بإحصاء الطلاب اليمنيين من خلال الاستدلال على عدد الطلاب الذين يتحدثون اللغة العربية في المنزل ومسجلين اليمن مكان ولادتهم، ولكن تلك الطريقة تستبعد الطلاب الذين ولدوا في الولايات المتحدة أو يتحدثون الإنجليزية في المنزل. فهناك 871 طالباً من طلاب مدارس أوكلاند الموحدة من أسر ناطقة باللغة العربية و387 طالباً ولدوا في اليمن ويتحدثون العربية.
هذا وقد رجح هشام حسين، الذي عمل على صياغة القرار مع مدير الدائرة التعليمية لمدارس أوكلاند الموحدة، “فان سيدريك ويليامز”، أن الدائرة تخدم حوالي 1,000 طالب يمني وأن هناك حوالي 10,000 مواطن يمني يعيشون في أوكلاند.
وهذا ما يجعل اليمنيين يشكلون غالبية الطلاب الوافدين الجدد الناطقين بالعربية والطلاب المولودين في الخارج الناطقين بالعربية في الدائرة التعليمية.
هذا وقد صرح الأخ ضيف الله محمد ضيف الله والذي يتولى منصب مسؤول العلاقات العامة في الاتحاد اليمني الأمريكي بالتالي “طيلة السنوات القليلة الماضية قام الاتحاد اليمني الأمريكي في الباي اريا Bay area والجمعية الأمريكية للطلاب والمهنيين اليمنيين (AAYSP) باستضافة حلقات نقاش مع الأسر اليمنية حول تجاربهم في اوكلاند، وكفاحهم والجهود التي بذلوها في قيادة دفة النظام المدرسي. عندما تم إنتخاب ويليامز العام الماضي بدأ ضيف الله العمل معه عن قرب فيما يتعلق بالمسائل التشريعية.
وفي تصريح لـ ويليامز خلال اجتماع مجلس الإدارة الشهر الماضي، قال فيه: “ما نحاول القيام به هو بأن نوفر لطلابنا المسلمين بعضا من المراعاة لخصوصيتهم الثقافية وإعلامهم بأنهم ماداموا الآن هنا في أمريكا، فإننا نحتضنهم ونقدرهم أيضاً”.
بدأت هجرة اليمنيون إلى الولايات المتحدة تتزايد بأعداد كبيرة في أعقاب الربيع العربي في عام 2011م عندما أطاحت الثورات في العديد من دول الشرق الأوسط بالحكومات التي طال أمدها في الحكم. وفي اليمن، قاتلت مجموعات مختلفة بعد عزل الرئيس من أجل الوصول للسلطة. وقد إندلعت حرب أهلية في عام 2014م عندما استولت جماعة الحوثي المتمردة على العاصمة صنعاء. ومع تصاعد العنف سارع اليمنيون الموجودون بالفعل في الولايات المتحدة إلى جلب المتبقين من أفراد أسرهم إلى بر الأمان.
يقول هشام حسين الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس الإدارة الوطني للجمعية الأمريكية للطلاب والمهنيين اليمنيين (AAYSP) وهي منظمة تعمل على دعم الإنجازات الأكاديمية للطلاب اليمنيين الأمريكيين : “تم تسريع عملية الحصول على التأشيرات في الأيام الأخيرة من رئاسة أوباما وتمكن الكثير من اليمنيين الأمريكيين من إحضار أفراد عائلاتهم بطريقة سريعة إلى حد ما”. وأضاف قائلاً: “منذ ذلك الحين كان هناك تدفق لليمنيين الوافدين على مدى السنوات الخمس الماضية على الرغم من تأثره بالحظر الذي كان مفروضاً على سفر المسلمين”.
وبعد أن أصبح دونالد ترامب رئيساً في عام 2017م، أعلن حظر السفر إلى الولايات المتحدة على العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة بما في ذلك اليمن. وفي العام الذي أعقب فرض الحظر، انخفضت أعداد التأشيرات الممنوحة للمهاجرين من اليمن بنسبة 83٪ وفقاً لتقرير صادر عن كوارتز .Quartz وفي هذا العام ألغى الرئيس جو بايدن الحظر.
جاءت أماني المطري وهي أم لستة أطفال، إلى الولايات المتحدة مع زوجها في عام 2007م حتى يتمكن أطفالهم من الحصول على تعليم أفضل. وقالت إنهم عادوا إلى اليمن بغرض الزيارة في شهر سبتمبر من عام 2014م، قبل أيام من سيطرة الحوثيين على صنعاء.
وأضافت بقولها : ” ذهبنا إلى اليمن منذ سنوات وبقينا هناك لفترة قصيرة ولكننا اضطررنا للفرار منها بسبب الحرب. كنا سعداء لأننا أتينا إلى هنا قبل أن يتدهور الوضع في اليمن”.
ليس الهدف من إضافة عطلات الأعياد إلى التقويم المدرسي بأن تمنح الدائرة التعليمية الطلاب والموظفين أيام إجازة إضافية ولكن الهدف هو توعية المعلمين وموظفي المدرسة حتى يكونوا أكثر وعياً عند التخطيط لأيام الاختبار أو الأحداث المدرسية الأخرى. فعيد الفطر يصادف في نهاية شهر رمضان وهو شهر الصوم والصلاة ويصادف عيد الأضحى أيضاً وهو عيد نحر الاضاحي نهاية الحج وهو حج مدته خمسة أيام يؤديه المسلمون في مكة في المملكة العربية السعودية.
أثار القرار نقاشاً بين أعضاء مجلس الإدارة حول الاعتراف بمزيد من الأعياد الدينية مثل ديوالي وهو احتفال هندوسي، ويوم كيبور وهو أقدس يوم في الديانة اليهودية. واقترح أعضاء مجلس الإدارة الخروج بقائمة بالأعياد الثقافية والدينية المهمة لتضمينها في التقويم المدرسي.
يعمل لدى الدائرة التعليمية لمدارس أوكلاند الموحدة حالياً مترجماً فورياً عربياً بدوام كامل وهي بصدد توظيف مترجماً ثانياً، وفقاً لما صرحت به الدائرة التعليمية على موقعها على شبكة الإنترنت. هذا وقد أعطى قرار الشهر الماضي التعليمات للمنطقة التعليمية بتوظيف المزيد، إلى جانب المزيد من المعلمين والموظفين الذين هم على دراية بالثقافة اليمنية والإسلامية.
ومع وجود المزيد من المترجمين الفوريين يمكن تخليص الطلاب من العبء الملقى على كاهلهم، مثل الإبنة الكبرى لأماني المطري التي تساعد والدتها الناطقة باللغة العربية على التواصل مع مسؤولي المدرسة.
حيث قالت أماني المطري: ” الآن وبعد أن أصبحت ابنتي في الصف السابع وتفهم اللغتين صارت تساعدني كثيراً وتجعل الأمور أسهل بالنسبة لي. أشعر أنني أضغط عليها كثيراً أيضاً.” وأردفت بقولها: “أريدها أن تساعدني في التواصل مع المعلمين أو عندما تكون هناك اجتماعات. إنها تفعل الكثير من أجلي.”
وتأمل أماني المطري أيضاً أن يساعدها تدريب المعلمين والموظفين على الممارسات الثقافية الإسلامية في التواصل بشكل أفضل مع معلمي أطفالها. على سبيل المثال، خلال شهر رمضان عندما يصوم المسلمون نهاراً، تسألت أماني المطري عما إذا كان يمكن إعفاء أطفالها من الأنشطة البدنية أثناء حصة التربية البدنية.
وقالت: “سيتفاجأون ويسألون لماذا يتوجب عليهم الصيام. ولكن لا أستطيع أن أشرح لماذا وكيف لأنني لا أتحدث الإنجليزية”.
وفي حين أن العديد من التغييرات يمكن أن تحسن بشكل كبير من تواصل الدائرة التعليمية مع العائلات اليمنية والمسلمة والناطقة باللغة العربية ومن دعمها لهم، يعتقد بعض المؤيدين أن بالإمكان عمل المزيد.
تود السيدة حورية الرعيني وهي أم يمنية لطالبين في مدرسة إيست أوكلاند برايد الابتدائية، أن ترى المزيد من التبادل الثقافي في المدارس مما يسمح للطلاب والموظفين بالتعرف على خلفيات بعضهم البعض. وإحدى الأفكار التي اقترحتها هي “يوم المتحف” بحيث يحصل كل طالب على فصل دراسي لتزيينه وفقاً لثقافته. ومن أجل مساعدة الآخرين على تعلم المزيد عن الإسلام وثقافة الشرق الأوسط، اقترحت السيدة الرعيني استضافة محادثات غير رسمية بين كافة مجموعات الطلاب وعائلاتهم بحيث يمكنهم طرح أسئلة على بعضهم البعض حول رمضان أو الحجاب أو جوانب أخرى من الثقافة التي يجهلونها دون أن يشعروا بالخجل.
كما أوصت بتخصيص حصص إضافية بعد المدرسة لمساعدة العائلات في الشرق الأوسط على التأقلم مع الأعراف الثقافية في الولايات المتحدة. وقالت السيدة الرعيني: “على سبيل المثال، في اليمن يذهب الأولاد والبنات إلى مدارس منفصلة. ولكن عندما تهاجر العائلات ويلتحق الابناء والبنات بالمدارس العامة في الولايات المتحدة فإن الأولاد “يصابون بالصدمة من وجود فتيات والفتيات يُصبن بالصدمة لوجودهن مع الأولاد”.
يعتقد حسين أن القرار هو أقل ما يمكن أن تفعله الدائرة التعليمية لمساعدة الطلاب والأسر الناطقين باللغة العربية.
وقال حسين: “القرار ليس إنجازاً كبيراً أو صفقة ضخمة في حد ذاته لأننا جالية كبيرة وقد عانينا من نقص الخدمات ومن نقص تمثيلنا لأطول فترة”.
وأضاف أن العديد من المهاجرين اليمنيين يأتون من أوساط اجتماعية متواضعة أو يعملون لإعالة أسرهم ولا يمكنهم دائماً المشاركة في المناسبات والأنشطة المدنية.
قال حسين ” ربما الأمر الذي ساهم في هذا هو حظر السفر ، والذي سلط الضوء على أهمية المناصرة والتكاتف”. يوجد جيل جديد من اليمنيين الأمريكيين الذين التحقوا بالمدارس ومن ثم الكليات يستطيعون القيام بدورالتمثيل والمشاركة من أجل إسماع أصواتهم.
تمترجمةالتقريرمنقبل : عمرالخامري.